معابر الجمعية التونسية للفنون والآداب والتثاقف المغاربي المتوسطـي
PASSERELLES Association Tunisienne des Arts, des Lettres et de l'Inter-culturalité Maghreb/Mediterranée

الثلاثاء، 10 يونيو 2014

"معابر" في معرض الكتاب بالمنستير

"معابر" في معرض الكتاب بالمنستير


" أريج الكلام "

لتقوى الرّوح على " الطّريق الواعرة "

    


 كتبها لطفي الشابي 
 المنسّق العام لجمعيّة معابر


وعرة هي دروب الإنشاء وقاسية على الرّوح حين نقطعها غرباء نلاحق ضحك السّراب في مدلهمّ فضائها ولا نصل أو نكفّ عن الحلم بالوصول إلى أجمل الضّفاف... قدر الفنّان وقد عرفه ورضي بما يكون له منه إيمانا بمسؤوليّة الفنّان وعلوّا في الهمّة ورسوخا في الحياة.

غريب هو الشّاعر دوما، منذ كان الشّعر... وغربته في قومه أكبر و" أشدّ مضاضة " على الرّوح تدعو إلى المحبّة فلا تلقى إلاّ الجحود والنّكران.. كالأنبياء هم المنشئون، يألمون في صمت لغفلة الأهل عن ندائهم إلى دروب أكثر إشراقا ولا يملكون إلاّ أن يستمرّوا في المحبّة يرفعون راياتها ويغرون بها.


كذلك رأيتُ الهكواتي، سالم اللبّان، في الأمسية التي انتظمت يوم الأحد 8 جوان 2014 في صميم تظاهرة معرض الكتاب بالمنستير احتفاء بأعماله واعترافا برحلته الطّويلة في مسالك الإنشاء المتنوّعة: شعرا وسردا وموسيقى ورسما ونقدا وتأسيسا لمشروع أدبيّ فنيّ طريف متفرّد. 

"أريج الكلام" لم تكن مجرّد أمسية يلقي فيها الشاعر بعض ما كتب، بل كانت ملتقى أحبّة جمعهم الحرف الصّادق وضمّتهم محبّة للكلمة وللفنّ الذي يهدي إلى الخير ويحلم بالغد المنظور منذ عصور لا يكاد يُقام إلاّ في قلوب الشّعراء وفي أحلام المنشئين ورؤاهم. 




فرع المنستير "لمعابر" - الجمعيّة التونسية للفنون والآداب والتّثاقف المغاربي المتوسّطي أراد أن يحتفي بمؤسّسها ورئيسها الهكواتي سالم اللبّان، وهو ابن المنستير مولدا ومنشأ ومن أكثر أبناء المنستير وفاء لها وحديثا عنها في كلّ أعماله وتخليدا لأعلامها الصّادقين من ذوي الفضل عليه وعلى أبناء جيله. 
          

          أعطت السيّدة لطيفة اللبان عضو مكتب السّاحل لجمعيّة معابر إشارة انطلاق الأمسية بالتّرحيب بكلّ من تجشّم عناء الحضور محبّة في الهكواتي وعرفانا، وبدعوة السيّدة منية تريمش لتقديم الشّاعر والتّعريف بأهمّ محطّات رحلته الإبداعيّة الخصبة. كما قدّمت مجلّة معابر التي صدر عددها الأول في 25 ماي المنصرم والتي خصصت للحديث عن فحوى فعاليات الاحتفاء بالأستاذ توفيق بكّار شخصية للموسم الأدبي 2013/2014.

ثم انطلقت فعاليات الأمسية بمراوحة بين قراءات في أعمال الهكواتي واستماع إلى نماذج منها بصوت صاحبها. حيث قدّمت الأستاذة صفيّة قم بن عبد الجليل مجاميع الهكواتي الشعرية ذات العنوان الموحد "فصولي الأربعة". فتحدّثت عن طرافة تجربة "سنتي في الهيك" وفرادتها وبيّنت خاصّة ما يميّز شخصيّة الهكواتي من تحدّ تجلّى في أكثر من مظهر بدءا من اختيار الكتابة في جنس شعريّ غريب عن العربيّة هو "الهيك" وانتهاء بالتزام الكتابة يوميّا على امتداد سنة كاملة وباللغتين العربيّة والفرنسيّة.

الأستاذة نبيهة العيسي وهي منسقة فرع الساحل لجمعيّة "معابر"، تحدّثت عن رواية الهكواتي "بوصلة سيدي النّا.." التي حصلت على إحدى جوائز الكومار للرواية التّونسيّة سنة 2012، وبيّنت أهميّة هذا النصّ ووقفت عند أبرز ملامح تميّزه فنّا وفكرة. وهو النص المنطلق من أعرق أحياء المنستير "الرّبط" وتحديدا من "باب تونس" حيث نشأ بطل الرواية محمد الأمجد بريقشة، والمتجول بقارئه في كل مناطق الجمهورية تقريبا يصف آلامها وأحلامها حتى تضيع منه بوصلته ولا يعود إلى الرّبط من جديد إلا ليرتب تفاصيل مشهد موته في نوع من الاخراج السينمائي. 

الأستاذ لطفي الشّابي تحدّث عن مجموعة الهكواتي الشعريّة "غدا موعد الياسمين" وركّز وهو يقدّم الكتاب على تجربة الشّاعر المميّزة والمجسّدة لمشروع فريد يريد أن يبني للشّعر مسلكا جديدا في الكتابة وفي العرض.



أمّا الأستاذة فوزيّة حمّاد فقدّمت "عنقود حكايا" وهي كذلك ثمرة نفس التجربة الطريفة التي أثمرت "بوصلة سيدي النّا..." والتي قامت على التحدّي وجاءت تحت شعار "سنتي على جناح السّرد". وقد جاءت في نحو ثلاثين قصّة نشرت أسبوعيا على الأنترت باللغتين العربية والفرنسية ثم حواها مجموع ورقي. 
ختام الأمسية كان مع الأستاذ معاوية الفرجاني الذي قدّم بطريقة متميّزة مجموع "أجراس القارعة" واستكمل الحديث عن خصوصيّة تجربة الهكواتي الإنشائيّة وتكامل عناصرها الفنيّة وتناغمها. 

الهكواتي سالم اللبان قرأ كلّ ما طُلب منه، وقرأ أيضا أحبّ نصوصه إليه بالتّونسيّة الفصيحة (كما يحبّ هو ان يُسمّي اللهجة التّونسيّة) وبالعربيّة والفرنسيّة.. كما تولّى تقديم ثمرة ورشة الكتابة للأطفال التي أنشأتها دار الجسر الصغير وهي كتاب "الخنيفسة المزيانة" الذي يشكل أول كتاب تونسي معد للقراءة للطفل في السن ما بين الثالثة والسابعة ويعتمد مقاربة تجمع بين الكتابة السردية بالتونسية الفصحى والفرنسية من ناحية وبين الرسم بناء على دراسة نفسية لشخصيات القصة ونعتمد إخراجا بصريّا يقترب من حيث زوايا النظر الى تقنيات بناء المشهد في الاخراج السينمائي، مع التأكيد على جمالية الطباعة واستعمال الورق الرفيع والمقوّى الذي يمكّن الطفل من الاحتفاظ بقصته ليعود اليها حتى حين يصبح بدوره أبا يقرأ لأطفاله.


أمّا في ختام الأمسية فقد أصرّ سالم اللبان على تحيّة المتغيّبين الذين "شرّفوه بغيابهم"، بقراءته قصيدة كتبها في ظروف معينة وكشفت قراءته تلك عن  وجع دفين يتألّم له الهكواتي وهو يجد الجحود من مدينة أحبّها وأخلص إليها الحبّ ولن يكفّ عن محبّتها مهما أغضت وتنكّرت.

            لقد أكّدت هذه الأمسية أنّ جمعيّة معابر بصدد التّأسيس لمشروع أدبيّ كبير سيكون له شأن وسيبقى، فكلّ المتدخّلين كانوا من أعضاء الجمعيّة أو من المشاركين في ورشة الكتابة السّرديّة الحالمين بتأسيس تيّار أدبيّ وبترسيخ مشروع ثقافيّ بديل متكامل العناصر.

             يُذكر أنّ هذه الأمسية واكبها عدد  من أصدقاء الهكواتي كما حضرها أعضاء المكتب الوطني للغرفة الفتيّة العالميّة التّونسيّة في وفد يتكون من قرابة الثلاثين عضوا يتقدّمهم رئيسهم السيّد محمّد الهادي شعبان الذي أبدى تجاوبا مع كلمة رئيس جمعيّة معابر ووعد بالمساهمة في مشاريع الجمعيّة ودعم ما تحاوله في مجال الثقافة والأدب والفنون.

ويبقى الحلم يهدي ذوي القلوب الكبيرة وأصحاب المشاريع العظيمة الذين يسلكون إليها كلّ وعر من الدّروب لا سند لهم غير عزمهم ولا حادي لهم غير أريج الكلام الذي يُنشئون.



 لطفي الشابي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق